سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)}.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يقول: لا تقل.
وقال العوفي عنه: لا تَرْم أحدًا بما ليس لك به علم.
وقال محمد بن الحَنفية: يعني شهادة الزور.
وقال قتادة: لا تقل: رأيت، ولم تر، وسمعت، ولم تسمع، وعلمت، ولم تعلم؛ فإن الله سائلك عن ذلك كله.
ومضمون ما ذكروه: أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وفي الحديث: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذبُ الحديث». وفي سنن أبي داود: «بئس مطيةُ الرجل: زعموا»، وفي الحديث الآخر: «إن أفرى الفِرَى أن يُرِي عينيه ما لم تريا». وفي الصحيح: «من تحلم حلما كُلف يوم القيامة أن يعقد بين شَعيرتين، وليس بعاقد».
وقوله: {كُلُّ أُولَئِكَ} أي: هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} أي: سيسأل العبد عنها يوم القيامة، وتُسأل عنه وعما عمل فيها. ويصح استعمال أولئك مكان تلك، كما قال الشاعر:
ذُمَّ المَنَازلَ بَعْدَ مَنزلة اللِّوَى *** وَالْعَيْش بَعْدَ أولئِكَ الأيّام


{وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}.
يقول تعالى ناهيًا عباده، عن التَّجَبّر والتبختر في المشية: {وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا} أي: متبخترًا متمايلا مشي الجَبَّارين {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ} أي: لن تقطع الأرض بمشيتك قاله ابن جرير، واستشهد عليه بقول رُؤبة بن العَجَّاج:
وقَاتِم الأعْمَاق خَاوي المُخترقْ ***
وقوله تعالى: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك، بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده. كما ثبت في الصحيح: «بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم، وعليه بُرْدَان يتبختر فيهما، إذ خُسِف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته، وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض، وفي الحديث: «من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير، ومن استكبر وضعه الله، فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير، حتى لهو أبغض إليهم من الكلب أو الخنزير».
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا حجاج بن محمد، بن أبي بكر الهذلي قال: بينما نحن مع الحسن، إذ مَر عليه ابن الأهتم- يريد المنصور- وعليه جبَابُ خَزّ قد نُضّد بعضها فوق بعض على ساقه، وانفرج عنها قباؤه، وهو يمشي ويتبختر، إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال: أف أف، شامخ بأنفه، ثان عطفه، مصعر خده، ينظر في عطفيه، أيّ حُمَيْق ينظر في عطفه في نِعَم غير مشكورة ولا مذكورة، غير المأخوذ بأمر الله فيها، ولا المؤدّى حقّ الله منها! والله إن يمشي أحدهم طبيعته يتلجلج تلجلج المجنون، في كل عضو منه نعمة، وللشيطان به لعنة، فسمعه ابن الأهتم فرجع يعتذر إليه، فقال: لا تعتذر إلي، وتب إلى ربك، أما سمعت قول الله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا}.
ورأى البختريّ العابدُ رجلا من آل علي يمشي وهو يخطِر في مشيته، فقال له: يا هذا، إن الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته! قال: فتركها الرجل بعد.
ورأى ابن عمر رجلا يخطر في مشيته، فقال: إن للشياطين إخوانًا.
وقال: خالد بن مَعْدان: إياكم والخَطْر، فإن الرّجل يَدُه من سائر جسده. رواهما ابن أبي الدنيا.
وقال: ابن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى، عن سعيد، عن يُحَنَّس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم، سلط بعضهم على بعض».
وقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} أما من قرأ {سيئة} أي: فاحشة. فمعناه عنده: كل هذا الذي نهينا عنه، من قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} إلى هاهنا، فهو سيئة مؤاخذ عليها {مَكْرُوهًا} عند الله، لا يحبه ولا يرضاه.
وأما من قرأ {سَيِّئُهُ} على الإضافة فمعناه عنده: كل هذا الذي ذكرناه من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} إلى هاهنا فسيئه، أي: فقبيحه مكروه عند الله، هكذا وجَّه ذلك ابن جرير، رحمه الله.


{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}.
يقول تعالى: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس.
{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا} أي: تلومك نفسك ويلومك الله والخلق. {مَدْحُورًا}. قال ابن عباس وقتادة: مطرودًا.
والمراد من هذا الخطاب الأمة بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صلوات الله وسلامه عليه معصوم.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11